..............................
تـــــــــــــــــــابع هذا ما كنت عازمة عليه ..
قلت سوف أصلي هنا .. وبعدها نتناقش ..
بصراحة لدي أسئلة كثيرة ..
كانت تتكلم بسرعة .. حتى تستطيع بقدر الإمكان ..
ألا تجعله يتذكر كثيراً ..
وبالفعل نجحت ..
وما هي إلا لحظات ..
وكانت تتوضأ ..
خرجت من الحمام .. وتوجهت نحو السجادة لتصلي ..
أما بشار فانهمك مرة أخرى في أوراق كانت بين يديه ..
ولما انتهت من الصلاة .. جلست في الكرسي جوار سريره ..
وقالت : هل أستطيع أن آخذ منديلاً ..
أخذ بشار علبة المناديل من يساره .. ومدها إليها ..
ولما نظر فيها ..
كانت قطرات الماء ما زالت على وجهها ..
كم كانت جميلة ..
تلك القطرات التي كانت تملأ شعيرات حاجبيها الصغيرين ..
وتخلل رموشها ..
وعينها الزرقاء البديعة التكوين ..
مرت قطرة نازلة من نهاية حاجبها ..
ومرقت بسرعة على خدها المشمشي اللدن ..
واستقر أخيراً تحت ذقنها الدقيق ..
وكانت الطهارة الإيمانية التي كانت تحيط بها كنور باهت ..
لها وقع آخر ..
لم يستطع بشار أن يطيل النظر حتى ..
لتوها قد انتهت من صلاتها ..
أي وقاحة هذه ؟!
ولكنه ابتسم وهو يطالع أوراقه من جديد ..
كانت همسة في هذه اللحظات تبحث في أوراقها عن الملاحظات التي توقفت لديها ..
ولما وصلتها ..
راحت تتكلم مع بشار وتسأله ..
وهو يجيبها ..
وظلا ما يقارب الساعة وهي تستفسر منه .. وتسأله ..
أما هو فراح يشرح لها بكل هدوء ..
أحست به أستاذاً .. أو دكتوراً في الجامعة ..
وهي ما تزال تلميذة صغيرة .. سنة أولى طب ..
" هذه هي كل الأسئلة ؟"
كانت همسة ما تزال تطالع أوراقها ..
وتقلب بين الصفحات وهي تقول :
اممممممممم ..
ثم حكت رأسها وقالت : يبدو كذلك ..
نظرت في بشار ..
أما هو فنظر لها وقال بجدية :
همسة ..
ثم صمت قليلاً ..
راحت همسة تنظر له باهتمام .. فقال :
لا أريدك أن تهتمي كثيراً لهذا البحث ..
لديك الكثير من الأمور حتى تتعلميها ..
عليك أن تركزي في الحالات الأخرى ..
سرطان العظم ليس إلا قطرة في بحر ..
ولو أنك ركزت عليه فقط .. فلن تستفيدي كثيراً ..
عندك الكثير من الأعمال ..
فقالت همسة :
ولكني هنا أرى أملاً ..
قال بشار : أمل ؟
فقالت مبتسمة والطموح ينبعث من خلف نظاراتها :
أجل أمل في البقاء ..
مئات الناس ينتظرون دواءً مثل هذا ..
ينتظرون علاجاً من مرض طال ..
وأتعب أوصالهم ..
وأرهقهم ..
أمل لطفلة صغيرة .. لم تفهم في هذه الدنيا سوى معاني الألم ..
أمل لأب .. لديه ابن وحيد ..
أمل لزوج يحب زوجته كثيراً ..
ولما وصلت همسة لهذه الكلمة ..
نزلت من عيني بشار دمعة ..
ثم نظر لها وقال :
هل أنت متأكدة من رغبتك في المضي في هذا الطريق حتى النهاية؟
فقالت همسة بقوة وقد أكبرت تلك الدمعة في عينيه :
أجل .. متأكدة ..
ولن أتراجع عن قراري أبداً ..
أغمض بشار عينيه .. ثم فتحهما ..
ونظر لها :
وأنا سأساعدك حتى النهاية ..
وسأقدم لك رأسي كاملاً ..
ابتسمت همسة ..
وقالت : وأنا لن أخذلك ..
وهذا وعد من دافورة الكلية .. ما رأيك ..
نزلت دمعة من عيني بشار مرة أخرى ..
ولكنها انتهت على شفتيه المبتسمة ..
وبدأت همسة .. عملاً دؤوباً ..
وإن من تأمل في حياة همسة في تلك الفترة ..
يرى كيف أن حياتها صارت مشغولة بكل دقيقة في عمل مركز ..
لم تعد تهتم إلا لأن تخرج من المستشفى مباشرة إلى المنزل ..
وتعود لتقرأ ..
صباحاً وليلاً .. وتضع الخطوط الحمراء على أكثر من جملة ..
حتى عندما تكون في السيارة ..
تقرأ ملاحظاتها في اليوم السابق حتى تكون على إحاطة كاملة بما فعلته .. وأين وصلت بنتائجها ..
حتى أنها ما عادت ترى زملائها في المستشفى كثيراً ..
وفي هذه الفترة ..
وجدت الإجابة أخيراً على حيرتها ..
إنها تحب بشار ..
نعم ..
هذه هي الحقيقة ..
التي أخفتها .. عن عقلها ..
الذي لطالما ظل مسيطراً على حياتها ..
وجدت نفسها أمام اجتياح لمشاعر لم توجد قبلاً في حياتها ..
أصبحت الرغبة والدافع اللذان يحركانها ..
أما فراس فكان مجرد إعجاب .. شاب يمتلك كل المؤهلات التي تخوله لأن يحظى بقلب فتاة .. بامتياز فائق ..
أصبح حبها لبشار ..
شيء أكبر من رغبة في التفوق ..
وأن يكون اسمها عالياً في مجلس الكلية ..
أصبحت تفكر بمنظور آخر ..
إنها تحبه ..
ولذلك تعمل وتدرس ..
صارت كل يوم تلتقي به في غرفته وربما تجلس لساعات وساعات معه ..
تسأله في كثير من الأشياء .. ويخبرها هو من باب خبرته التي هي بلا شك أكبر منها بكثير ..
وفي نفس الوقت تتقرب منه قدر ما تستطيع ..
كانت في لحظات .. تسرح وهي تتحدث معه ..
تراه يتكلم عن موضوع مهم .. وتسرح في نظرات عينيه ..
أدركت أنها لأول مرة في حياتها تحب بهذه الطريقة ..
رغم أنها كانت تسخر من كل الذين أحبوا قبلاً ..
لاندفاعهم الغير معقول ..
أو تصرفاتهم اللا مُبررة ..
أو قراراتهم المتسرعة لأجل إرضاء حبيب ..
وكأنها الآن أدركت أن الحب ..
شيء لا يعترف بحدود المنطق ..
كان قد مضى شهر على بداية عمل همسة في بحث بشار ..
طبعاً استطاعت أن تفهم البحث جيداً ..
بعد أن ساعدها بشار بكل ما يمتلك من قدرات ..
وفي هذه الفترة .. أيضاً لم تتوقف الورود الحمراء عن زيارة غرفتها ..
ولكنها كانت تحس بالأسى تجاه صاحبها ..
دخلت همسة على غرفة بشار وقالت :
صباح النور ..
ابتسم لها بشار :
صباح الخير ..
قالت همسة وهي تجلس بأريحية في مقعدها الذي ربما حُجر باسمها لكثرة ما تقعد فيه :
اليوم سوف أبدأ التجربة أخيراً على الأرنب ..
قال لها بشار :
لا أدري كيف لم أنتبه لتلك الملاحظة الهامة ..
هل تذكرين يوم دخلت علي وقلت :
لقد طرقت باباً لم تطرقه من قبل؟
ابتسمت همسة .. وصارت عينها قطعة الكريستال الجميلة التي تبعث ألف لون وقالت :
ألم أفعل ذلك ؟
ابتسم بشار ونظر لها بإعجاب وقال :
بالفعل .. أنت لست طالبة عادية أبداً ..
فقالت همسة .. وقد صارت تتحدث مثل بشار .. بنفس النبرة الساخرة :
أعوذ بالله .. حسوووووووود ..
فضحك بشار من قلبه وقال :
ما شاء الله ..
الحمد لله لست من ذلك النوع من البشر ..
ثم صمت قليلاً وقال :
بقي أمر ..
واليوم حان الوقت ..
نظرت فيه همسة بتطلع ..
فتح بشار الدرج الموجود بجوار سريره ..
كان فيه ملف أزرق ..
أعطاه لهمسة التي قالت :
ما هذا ؟
قال لها بألم :
هذا الملف الذي كتبت فيه كل ما فعلته في التجربة الأخيرة التي قمت بها على مايا ..
أمسكت همسة الملف وفتحته ..
تطلعت بسرعة في أوراقه ..
ثم نظرت لبشار الذي قال :
هذا هو الشيء الذي احتفظت به لنفسي ..
ولم أسمح لأحد بأخذه ..
ولولا أني أعرف أنك جادة ..
ما وافقت أبداً على أن أعطيك إياه ..
هذه تقارير .. لن تحلمي يوماً بأن تجديها في أي مكان ..
لأنها تجارب على إنسان .. وليست على فئران تجارب أو أرانب ..
نظرت فيه همسة وقالت بلهجة مقدرة :
أعدك بأني سأبذل قصار جهدي ..
صمتت همسة للحظة ثم قالت :
بشار ..
فقال لها : نعم ..
كانت همسة تحمل في يدها كيساً فاخراً ..
صمتت للحظة ..
ثم أخرجت منه علبة مغلفة بتغليف أسود فخم للغاية ..
مطبوع عليه بالذهبي اسم
Paris gallery
وأيضاً علبة أخرى ولكن أكبر منها حجماً ..
مغلفة بتغليف فضي اللون ..
نظر لها بشار لوهلة ثم قال :
ما هذا ؟
فقالت ووجنتاها محمرة من الخجل :
افتحها ..
تردد بشار لحظة
ثم فتحها ببطء ..
كانت همسة تنظر في يدها وهي تقول ..
كنت أريد أن أهديك هدية ..
ولم أعرف ..
لم أشتري هدية في حياتي لرجل من قبل ..
واحمرت وجنتاها أكثر فأكثر ..
وتابعت وهي تمسك أظافرها بشكل مائل وتقول :
أصبت بإحراج ..
ولكني وجدت عطر :
Acqua de Monaco
أعجبني للغاية ..
وفي العلبة الأخرى ..
قميص أيضاً أعجبني من next من la moal
فتح بشار علبة القميص ..
كان قميصاً أزرقاً سماوي اللون ..
قصير الأكمام ..
وفي الوسط سوسته صغيرة لمنتصف الصدر ..
كان منقوشاً مقلماً ..
كان من الواضح أنه غالي الثمن ..
صمت بشار للحظة ..
ثم قال :
لا أستطيع أن آخذ الهدية يا همسة ..
همسة أصيبت في مقتل ..
ولكنها ..
كانت تتوقع هذه الكلمة ..
فلم تزل في نظرتها الخجولة ليديها ..
وأخذت تقول في ابتسامة :
بشار .. ربما لا زلت تعيش على أنقاض ذكرى مايا ..
لا أدري ..
ولكني باختصار ..
صمتت لثانية .. جمعت فيها قوتها وقالت :
أحبك
قد لا أكون الفتاة التي تستطيع أن تحتل مكانها ..
وقد لا أكون ذلك النوع الذي يروق لك ..
وقد لا تكون قد شعرت تجاهي بأي شيء ..
ولكني أحبك ..
قالتها وهي ترفع رأسها وتنظر لبشار ..
الذي راح ينظر فيها .. ويتأمل تلك الدموع التي نزلت من عينيها ..
وهمسة تقول :
ولن أتركك أبداً ..
مهما كانت النتيجة ..
حتى لو لم تكن تحبني ..
فأنا لا أستطيع أن أبتعد عنك ..
لحظة من الصمت العاصف ..
مرت ..
لحظة مرت ..
وكأنها سنة كاملة ..
لحظة مرت ..
ودهر كامل يفنى من تحته ويحيا من جديد ..
وقفت همسة وقالت : أرجوك ..
اقبل هديتي ..
ثم مسحت دمعتها بيدها الجميلة ..
من تحت نظارتها .. وقالت مبتسمة بتصنع .. وهي تقاوم آخر لحظات انهيارها :
النبي قبل الهدية ..
ومسحت دمعتها الأخيرة التي نزلت ..
وخرجت من الغرفة بسرعة ..
أما بشار فلم ينطق بحرف ..
وظل ينظر في الباب لفترة ..
ثم لكنه نظر في القميص مرة أخرى ..
وتنهد ..
كانت همسة تجري .. وهي تمسح تلك الدموع المتطرفة من عينيها ..
حتى وصلت إلى غرفتها في المستشفى ..
دخلت وأغلقت الباب ..
ووضعت يدها على الطاولة ..
وصارت تبكي ..
وجسمها ينتفض بقوة ..
لم هكذا يا ربي ؟
نعم لقد كنت أتوقع هذا ..
كنت أتوقع أنه لا يحبني ..
لم أحببت ؟
كم الحب من طرف واحد مؤلم .. وظالم..
مؤلم .. مؤلم جداً ..
وصارت تبكي أكثر وأكثر ..
ثم جففت دموعها وصارت تتنفس بقوة ..
سمعت طرقاً على الباب ..
مسحت آخر دمعاتها ..
ومسحت وجهها بمنديل معطر شارف على الجفاف ..
كان موجوداً في درج مكتبها ..
فتحت الباب ..
كانت ندى تقف متكأه على الجدار ..
نظرت لها وقالت : ما بها عيناك محمرتان ؟
لا بد أنك قد سمعت بالخبر .. صحيح ؟
نظرت لها همسة وقالت بحدة : ماذا تريدين ؟
فقالت ندى وهي تغادر : كل شيء قسمة ونصيب ..
أما همسة فراح قلبها يخفق بقوة ..
" أمعقول أن الناس أصبحت تعرف .. تباً ! "
ولكن ندى أكملت :
فراس يستأهل أجمل فتاة ..
أنا لا أعلم لم لم تتركيه لي ..
كم أنت أنانية ..
فراس !
تصلبت همسة للحظات ..
في حين غادرت ندى ..
تاركة همسة في حيرتها ..
وبعد لحظة ..
صادفت همسة إحدى زميلاتها في الممر فقالت :
إيمان ما به الدكتور فراس ؟
فابتسمت إيمان وقالت :
لقد خطب الدكتور فراس .. عقبالك ..
تجمد الدم في عروق همسة ..
فقالت إيمان : الغريب أنها ليست طبيبة ولا تعمل في المستشفى حتى .. ولكنها تدرس في الجامعة .. في كلية الآداب ..
خسارة .. كنت معجبة بشخصيته ..
ابتسمت إيمان .. وتركت همسة التي راحت أفكارها توبخها ..
وتنزل عليها بقوتها أفظع الكلمات ..
وتدك حياتها دكاً ..
أحست أنها تريد أن تنهار ..
وأن الدنيا بها تدور ..
لقد خسرت كل شيء ..
خسرت فراس الذي كان من الواضح أنه أحبها ..
وخسرت بشار الذي أعطته كل شيء ..
ولكنه من الواضح أنه لا يفكر فيها البتة ..
لقد خسرت كل شيء ..
وامتلأت عينها بالدموع من جديد ..
كم هي الدنيا قاسية ..
توجهت بخطى ثقيلة جداً إلى غرفتها ..
واتصلت على السائق ..
وطلبت منه الحضور ..
كانت الساعة لا تزال الثانية عشرة ظهراً ..
ولازال أمامها الكثير من العمل ..
ولكنها مرهقة ..
مرهقة جداً ..
بل تكاد تموت من التعب ..
وخرجت بعد لحظات ..
ورأسها يدور بمليون فكرة ..
إنها حتى لم تعرف كيف خرجت من المستشفى ..
ولم تنتبه لمن كان يناديها وهي لا تهتم أصلاً ..
حتى وصلت إلى سيارتها ..
دخلتها ..
وأغمضت عينيها ..
وراحت الأحداث تمر في رأسها المتعب في سرعة فائقة ..
وتلملمت على عينيها دموع ..
لم تستطع أن تحتفظ همسة بها ..
فراحت تنساب على خديها من جديد ..
وهي لا تتكلم ..
ولا تكاد تتنفس ..
وصلت إلى المنزل
دخلت ..
كان أول من صادفها .. أمها ..
لم تحتمل مزيداً ..
رمت نفسها في وسط أحضانها باكية ..
كانت الساعة الخامسة عصراً ..
حين أصدر جوال همسة رنينه المعتاد في صالة المنزل ..
كان والد همسة وأمها موجودين في الصالة ..
يتحدثان عن همسة ..
رد الأب وقال : ألو ..
" عفواً .. أليس هذا جوال الدكتورة همسة ؟ "
فقال الأب : نعم .. من يتحدث ؟
فقال الرجل : أنا الدكتور علي رئيس الدكتورة همسة والمشرف عليها ..
أين هي ؟
فقال الأب : المعذرة .. كانت أعصابها مرهقة للغاية ..
لم تتكلم بشيء حتى ..
فقط ذهبت للنوم ..
أنا والدها يا دكتور علي ..
هل حدث شيء ؟
إننا قلقون عليها ..
صمت الدكتور علي وقال :
لا أعرف في الحقيقة ..
أتمنى أن تكون بخير ..
على كل حال .. أحببت أن أخبرها ..
أنه قد تحدد موعد سفرها إلى أمريكا أخيراً ..
بعد أسبوعين إن شاء الله ..
إجراءات البعثة تمت والحمد لله ..
لا وقت لديها ..
لا بد أن تعد نفسها ..
فقال الأب وهو سعيد :
شكراً يا دكتور علي .. سأبلغها حتماً ..
وبعد انتهاء المكالمة .. تنهد الأستاذ سعود أبو همسة ..
وقال لأمها : ألم تقل لك أي شيء؟
قالت الأم :
Nothing .. I am very worried about her .. she just told me:
لا أريد أن أتكلم مع أحد ..
أنا مرهقة .. وأريد أن أنام ..
فقال الأب : خيراً إن شاء الله ..
لا بد أن خبر السفر سوف يسعدها ..
ترى ما الذي سيحدث ؟
لن أضع أسئلتي كالمعتاد ..
لأن كل سؤال قد يفضح الأحداث الجديدة
انتظروني
................................................
تعليقاتكم ياقراءي الأعزاء ..
سفير ولوله ..
استناكم ..
:::
::
: