......................................
تــــــــــــابع " بشار .. بشار .. قم .. الصلاة "
فتح بشار عينيه ..
وجد شخصاً قد اتشح بالسواد ..
فقام فزعاً .. وارتمى بعيداً ..
كشف صاحب الغطاء عن وجهه ..
فظهرت مايا وقال بجزع :
آسفة يا بشار .. لم أكن أقصد ..
نظر لها بشار للحظات ثم قال :
ماذا تفعلين ؟
فقالت مايا وهي تبتسم في خجل :
أليس هذا هو الحجاب الإسلامي ؟
ثم لبست ما يشبه الطرحة
نظر لها بشار في استغراب ..
وتأمل لباسها ..
كانت ثوباً يابانياً فضفاضاً أسود اللون ..
وربطته من وسطها بحزام أبيض عريض من القماش ..
وعلى وجهها قطعة قماش كبيرة سوداء.. غير مرتبة ..
فقط لتغطي وجهها ..
كما لو كان طرحة ..
كانت محاولة فاشلة لعمل حجاب إسلامي بشروطه ..
ابتسم بشار وقال :
من قال لك بأنه بهذا الشكل؟
قالت في حماس :
لقد قرأته في الكتاب الذي جَلبته لي من السفارة السعودية ..
فقال لها: إذا فقط وصلتي إلى فصل الحجاب ؟
قالت في حماس : نعم ..
تعلمت الكثير ..
ثم راحت تعد على أصابعها :
أحفظ أركان الإسلام كلها ..
وأعرف أيضاً الزكاة ..
وتعلمت أدعية رائعة ..
كان بشار يتأمل فيها ..
لأول مرة يجد شخصاً يستمتع مثل مايا في الدين ..
لم يتعود أن يفعل إنسان ما هذا ..
ربما لأنه هو وكل من يعرف من المسلمين ..
قد تربوا على هذا الدين ..
فلم يعرفوا أي معنى للظلام ..
ولكن هذه الإنسانة ..
عرفت كيف يسطع نور الحق في داخلها ..
ابتسم لها من القلب ..
قام وتوضأ ..
ثم صلى بها الفجر ..
وبعد أن انتهى من الصلاة ..
قالت : الله .. ما أجمل صوتك وأنت تقرأ القرآن ..
ابتسم بشار
ثم قال لها بعد لحظة من الصمت :
مايا .. لا بد أن تذهبي معي إلى المستشفى ..
نظرت مايا فيه وقالت :
لقد وعدتني ..
قال لها: مايا .. هذا أمر هام ..
يجب أن تُعالجي ..
نظرت فيه بحب وقالت : أتحبني يا بشار لهذا الحد ؟
نظر لها وأحس أنه يود أن يبكي ولكنه تماسك وقال :
بل أكثر مما تتخيلي .. أحبك ..
ابتسمت وقالت له :
بقدر ما تحبني ..
أنا أثق بك ..
بشار ..
لقد عشت معك أجمل لحظات عمري كلها ..
معك عرفت معنى الحياة ..
معك تعلمت الإسلام ..
معك عرفت الحب الصادق الطاهر ..
معك عرفت معنى الحياة ..
إني راضية بما قسمه الله لي ..
سوف أموت هنا أو هناك ..
أرجوك .. دعني أمت بسلام ..
ولا تجعلني أتعذب في علاج كيماوي ..
قد أعاني فيه سنوات من الألم ..
لأموت في النهاية ..
أرجوك ..
أتوسل إليك ..
لا أريد أن يعالجني أحد غيرك ..
فأنا لا أثق إلا بك ..
بشار ..
امتلأت عينيه بالدموع من جديد ..
أحس أنه لا يستطيع أن يمسك نفسه ..
سقطت دمعته كالبلورة ..
ولكنه مسحها بسرعة ..
شاهدته مايا ..
قبلت يديه في حنان بالغ ..
ثم قالت له : فلننم .. ففي الغد لديك الكثير من العمل ..
أومأ برأسه إيجاباً ..
بعد شهر من ذلك اليوم ..
كانت حالة مايا قد تدهورت كثيراً ..
وعلى ما يبدو أن الكبد قد توقف تماماً عن العمل ..
ولمن لا يعرف ..
فالكبد يقوم بأكثر من 100 وظيفة مختلفة في غاية الأهمية ..
ومن أهمها أنه مصفاة للسموم في الجسم ..
وصارت مايا في حالة سيئة للغاية ..
حاول بشار مراراً أن ينقلها للمستشفى ..
ولكنها لم توافق ..
وفي هذه الفترة كان أبوها وأمها وحتى أخوها ساندو ملازمين لها ما استطاعوا ..
على الرغم من أنهم كانوا أكثر تماسكاً من بشار ..
الذي كان في حالة من الإرهاق النفسي والبدني ..
إلى أن أتت تلك الليلة ..
تلك الليلة التي لن ينساها بشار ما حيي في هذه الدنيا ..
تلك الليلة ..
التي ما فتئ بشار يستيقظ وينام إلا ويتذكرها بكل تفاصيلها ..
كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً ..
كان بشار بجوار مايا .. التي كانت هذه المرة في حالة خطرة للغاية ..
كان الكل جوارها ..
مشفق عليها ..
وهي تنام وفيها الحمى .. تأرق مضجعها ..
ولكنها قالت :
أبي أمي .. ساندو .. أرجوكم .. اذهبوا وناموا ..
في الغد لديكم عمل كثير ..
فقال أونيزكا : لا يا مايا .. لا يهم العمل .. ألا ترين نفسك ؟
فقالت مايا : بابا لا تقلق علي .. بشار موجود جواري ..
فقال ساندو : لا .. سوف نبقى جوارك حتى تعودين لنا كما كنت ..
فقالت مايا : ساندو عزيزي .. أرجوك .. خذ بابا وماما من هنا .. أرجوك ..
فقالت ساندو : لا .. لن أتحرك ..
قاطعته مايا وهي تقول بإلحاح:
أرجوك ساندو ..
احتقن وجه ساندو للحظات ..
ثم خرج وهو غاضب ..
وخرج والداها بعد ذلك ..
وأمسكت أم مايا بيد بشار وقالت له والدموع في عينيها : لا تتركها يا بشار أرجوك ..
فقال لها بشار وهو يربت على كتفها : لا تقلقي أبداً ..
خرجا ..
وبقيت مايا مع بشار ..
مدت مايا يدها لبشار ..
الذي أمسكها وقبلها ..
ابتسمت مايا وقالت :
بشار هل تحبني ؟
ابتسم بشار وهو يحاول أن يخفي ألمه الشديد وقال :
طبعاً أحبك .. أحبك .. والله أحبك ..
تنهدت مايا وقالت مبتسمة : أتذكر أول يوم شاهدتني فيه ..
ياااااااااااه .. كيف مضى هذا الوقت حتى الآن ..
أتذكر يوم كنا في النهر ؟
ثم صارت تضحك وتضحك ..
ثم كحت ..
فأمسك بشار برأسها وجلب لها من جوار الفراش كوباً من الماء ..
شربته مايا ..
وأخذ بشار يمسح قطرات العرق من على جبينها ..
فقالت مايا : صدقني يا بشار ..
أيامي معك كانت أحلى أيام يمكن أن تعيشها إنسانة في هذا الوجود ..
بشار أنا والله أحبك ..
احتقن وجه بشار ..
فقالت مايا :
بشار أرجوك اسمعني .. الله يرضى عليك ..
هذه وصيتي .. ولا تقاطعني أرجوك ..
اهتم بصلاتك .. فوالله ما أحببت فيك أكثر إلا وأنت تصلي ..
صلي بخشوع ..
بشار .. أريدك أن تنساني ..
أريد أن تكون سعيداً ..
أريد أن أكون هناك سعيدة ..
لا أريد أن أقلق عليك ..
أريدك أن تتزوج من بعدي ..
وأن تنجب أطفالاً كثار ..
أرجوك .. تلك هي وصيتي ..
واعلم بأني لست نادمة على أي شيء فعلته معك أبداً ..
ولا تلم نفسك أبداً ..
بالله عليك لا تلم نفسك ..
صدقني هكذا أموت وأنا سعيدة ..
لقد مت بين يديك ..
بعدما فعلت أنت كل شيء ممكن ..
بعدما حاولت ما لا يمكن أن يقوم به أحد غيرك ..
لقد رأيتك .. وأنت تقرأ وتبحث ..
صدقني ..
لا أتوقع أن يفعل أحد من اجلي مثلما أنت فعلت ..
هذا الكلام أقوله لك لا لأخفف عليك .. ولكني أقوله لك صدقاً .. من قلبي ..
بشار بدأت عيناه تدمع واحدة تلو الأخرى ..
لم يستطع أن يتحمل ..
فقالت مايا مبتسمة وهي تمسح دموعه :
هل ستنقض اتفاقنا ؟
ولكن بشار انفجر باكيا وهو يقول :
والله لا أستطيع أن أتحمل يا مايا ..
وسقط على صدرها وهو يبكي بحرقة ..
وصارت مايا تحتضنه في وهن ..
وهي تمسح على شعره .. وتقول له :
لا عليك يا حبيبي .. ابكِ كما تشاء .. ابكِ ..
فأنا حبيبتك ..
ومرة دقائق وهو ينتفض .. وهي تربت على ظهره في حنان ..
ثم أمسكت وجهه ..
وطبعت على وجنته قبلة طويلة ..
ثم قالت مبتسمة وهي تقول :
هذه لك .. حتى لا تقول في يوم من الأيام ..
أنك لم تحظ مني -رغم أنك زوجي- حتى بقبله ..
ابتسم بشار رغماً عنه وسط الدموع ..
وأمسك يدها وقبلها ..
ابتسمت مايا ثم قالت :
بشار ..
فقال لها : يا قلب بشار ..
فقالت : اقرأ لي من القرآن ..
أحب أن أستمع إلى صوتك وأنت تقرأ ..
فقال لها : حسناً ..
فجلب القرآن ..
ثم اختار سورة فيها المعجزات والرحمات
.. فتح على سورة مريم ..
وجلس يتلو ..
( كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا *
إذ نادى ربه نداء خفيا *
قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا *
وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا *
يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا *
يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا *
قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا *
قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا *
قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا *
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا *
يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا *
وحنانا من لدنا وزكوة وكان تقيا *
وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا *
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا )
وصل بشار إلى منتصف السورة وهو يقرأ ..
كانت مايا قد راحت في النوم ..
تأكد بشار أنها لم يصبها مكروه ..
كان نبضها ضعيفاً ..
ولكنه كان موجوداً ..
نظر في وجهها المصفر ..
قبلها بكل الحب في رأسها ..
ثم وضع رأسه على جوارها في المخدة ..
وراح في نوم ..
استيقظ بشار في صباح ذلك اليوم على وقت صلاة الفجر..
قام بتثاقل ..
رأى مايا كما لو كانت ملاكاً ..
ابتسم ..
قال في نفسه سأصلي .. وبعدها أعود لها بماء حتى تتوضأ لتصلي في فراشها ..
صلى الفجر .. وهو يدعو الله من قلبه أن يشفي مايا ..
انتهى من صلاته وجلب لها دلواً من الماء ..
وأخذ يهزها وهو يقول :
مايا حبيبيتي ..
استيقظي لتصلي الصبح ..
مايا ..
ولكن مايا ..
لم تتحرك ..
أخذ يهزها بعنف ..
وهو يستحثها على النهوض ..
مايا .. مايا ..
استيقظي ..
ولكن مايا لم ترد ..
صار يصرخ ..
مايا .. مايا ..
وما هي إلا ثواني ..
إلا وأهل مايا كلهم موجودين ..
وبشار يمسك بها ويهزها بقوة .. وهو يقول صارخاً :
مايا .. مايا ..
أمسك ساندو ببشار ..
واقترب الأب من مايا..
تحسس نبضها ..
ثم أغمض عينيه ..
ونزلت منه دمعة
لقد أسلمت مايا الروح وفارقت حياة الدنيا ..
ولما شاهد بشار أونيزكا ..
هب إليه متملصاً من يد ساندو ..
وأمسكه من تلابيبه وصرخ فيه : مايا لم تمت .. هل تسمع ..
مايا لم تمت ..
ثم ألقاه بعيداً ..
وتوجه لمايا وهو يقول بصوت خفيض :
مايا .. حبيبتي ..
انهضي ..
إنها صلاة الصبح ..
مايا .. هيا قومي لتصلي ..
أمسك يدها التي كانت باردة كالثلج ..
تركها فسقطت يدها ..
سقط بشار عليها ..
وصار يبكي .. ويبكي بكاءً مريراً ..
كانت أم مايا تبكي في مكانها ..
وهي لم تستوعب الصدمة ..
لم يجد أونيزكا بداً من التصرف ..
أمسك بشار بقوة ..
ثم صفعه وقال :
بشار لقد ماتت مايا ..
لا يمكننا أن نعمل شيئاً ..
وقف بشار متجمداً في محله ..
وكأنما صواعق الأرض كلها نزلت بين عينيه ..
ثم سقط على الأرض ..
انهار دفعة واحدة ..
انهارت جميع خلايا جسده ..
وأصبح غير واعي ..
حمله أونيزكا وساندو إلى غرفته ..
سكبا عليه بعض الماء البارد ..
أفاق للحظات ..
أبدى تحسنا ..
وإن كان ساهماً واجماً ..
وكأنما الدنيا كلها لا تعنيه ..
وكأنما لا شيء في هذه الدنيا يفرق ..
ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ..
وصار يبكي كالأطفال ..
تركه الرجلان .. وذهبا إلى أم مايا ..
وظل بشار يبكي بكاءً ملتهباً ..
حتى أغمي عليه من شدة الإرهاق ..
كانت همسة تجلس أمام بشار ..
ودموعها تنزل في صمت ..
أحست بغصة في حلقها ..
أما بشار .. فقد أجهش بالبكاء ..
وقد جلس محتبياً ..
ووضع رأسه بين ركبتيه وجلس يبكي ..
أمسكت همسة منديلاً .. ومسحت به أنفها ..
ثم أخذت واحداً آخر ..
واقتربت من بشار ..
وقالت وهي تربت على كتفه :
ادعي لها بالرحمة ..
ذلك ما تستطيع أن تفعله الآن ..
نظر لها بشار بمحمر المدامع ..
تجاهل المنديل ..
أغلق عينيه .. فنزلت دمعة ساخنة .. حرقت خده .. وشقته بقسوة ..
أحست أنها تريد أن ................
نعم .. أحست أنها تريد أن تحتضنه ..
ولكنها لم تستطع ..
أحست أنها تريد أن تحتوي هذا الإنسان ..
أي هم حمل في قلبه حتى الآن ..
أي حادثة يموت فيها من نحب بين أيدينا ..
أي قلب هذا الذي احتمل ..
أن تموت الزوجة والحبيبة بين يديه ..
ولكن بشار قال وهو يمسح أنفه بطرف الكم : هل تجلبين لي كوباً آخر من الماء ..
ثم نظر لها وقال : لو سمحتي ..
نظرت همسة فيه للحظات ..
ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب في هدوء ..
وذهبت إلى الكافتيريا ..
حتى تمنحه فرصة مناسبة ليتمالك نفسه ..
على الرغم من أنها كانت ودت لو بقيت ..
كانت تحس بفراغ هائل في نفسها ..
فالبنت التي كانت تغار منها قد توفيت ..
وبقي بشار ..
محطم القلب ..
مدمر الفؤاد ..
يعاني من آلام لا تبقي ولا تذر ..
شعرت أنها تمشي وحدها في صالات المستشفى ..
رفعت جوالها ..
10 missed call
كانت كلها من جوال والدتها ..
اتصلت عليها ..
“where have you been?”
فردت همسة وهي تخفي صوت الدموع : عندي عمل يا ماما .. لن أتأخر ..
سوف آتي بعد قليل ..
وأغلقت الهاتف ..
لقد قررت ..
ستوقف بشار هنا ..
لن تدعه يكمل فتح نزيف جراحاته أكثر ..
يكفي ما وصل له إلى الآن ..
سوف تضع الماء وتذهب إلى منزلها ..
إنها لا تتحمل هذا القدر من المشاعر ..
وصلت همسة إلى الغرفة ..
طرقت الباب ثم دخلت ..
كان بشار يجلس على سريره مبتسماً بتكابر وعيناه وأذناه قد احمرتا ..
ابتسمت همسة مجاملة له ..
وضعت قارورة الماء أمامه ..
ثم قالت : امممم
سوف أذهب إلى المنزل ..
لقد تأخرت ..
نظر لها بشار : ألا تريدي أن أكمل لك القصة ؟
لم يبق الكثير عليها ..
فقالت همسة : إنك متعب .. لا بد أن أتركك لترتاح ..
قال بشار مقنعاً إياها بأسلوب عقلاني:
على الأقل أنت تؤنسيني ..
لو ذهبت فسوف أبقى وحدي ..
والمستشفى كما تعلمين ملل ..
فقالت وكلامه يدور في رأسها :
لا .. أتوقع أنك سترتاح أكثر لو تركتك وحدك ..
فقال بطريقة عناد :
لا بل سأكمل القصة يعني سأكملها ..
حتى لو ذهبت ..
سأدعو الممرضة حتى تسمعها ..
ما رأيك ؟
كان بشار يكابر بوضوح ..
ابتسمت همسة ..
فقال بشار : لم يبق الكثير ..
وبصراحة .. لا أريد أن أسرد القصة مرة أخرى ..
فلقد فتحت الماضي بكل حروقه ..
حتى كأن مايا قد توفيت البارحة ..
عض على شفتيه ..
وتمتم ببعض الكلمات ..
لمحت همسة منها : اللهم ارحمها يا رب ..
قال بشار :
وحتى لا تملي مني ..
سأذكر لك ما حدث دونما تفصيل ..
فبعد ما حصل ..
وصلت الأخبار إلى مستشفى نينواه ..
وبالطبع أبلغت وزارة الصحة اليابانية ..
التي قامت بفصلي من نقابة الأطباء نهائياً ..
مع غرامة مالية .. استدنت الكثير لأدفعها ..
ولولا أن أهل مايا تنازلو عن حقهم .. لكنت الآن في أحد سجون اليابان أمضي ما تبقى من حياتي ..
ولكني لم أكن أكترث بكل هذه الأمور ..
كنت أراها غير مهمة فحسب..
قالت همسة بعد برهة من الصمت بتساؤل :
كيف تقول بأن لم تحظ من مايا إلا بقبلة واحدة على خدك .. ألم تتزوجها؟
قال بشار : ولكنها لم ترضى أن أقترب منها ..
قالت لي : عندما أستعيد صحتي ..
صمت بشار قليلاً وقال : لا بد أنك تسألي كيف أصبت بالسرطان ؟
وسأقول لك : لم يكن حادثاً عرضياً ..
لقد ..
لقد .. زرعت بعض خلايا مايا السرطانية في جسدي ..
نظرت فيه همسة وصرخت : مجنوووووووووون !
لم يهتم بشار كثيراً لما قالت همسة ولكنه تابع :
كنت في حالة من الهذيان ..
مرت بي أفكار كثيرة ..
وقلت في نفسي ..
إن لم أستطع أن أعالج نفسي ..
ومت ..
بذلك أتأكد أنني فعلت كل ما أستطيع من أجل مايا ..
كنت لازلت في مرحلة ألوم فيها نفسي ..
نظرت هي فيه وهو يرمقها في ألم ..
ثم تنهد وقال : هذه هي الحكاية كلها ..
قالت همسة :
أأنت مجنون لتفعل الذي فعلت ؟
أتدرك أنك قد انتحرت ..
كيف تزرع في نفسك خلايا سرطانية ؟!
ألا تعلم أنها السبب في حالتك الصحية الآن ..
هذا وأنت طبيب ..
قال لها صارخاً : همسة .. اشعري بإنسان ضاعت منه أغلى إنسانة في حياته ..
بل أغلى شيء في الدنيا كلها ..
فكري بمنطق رجل أحب حتى النخاع مثلي ..
ولا تفكري وأنت تقفين تمثالاً من الزجاج البارد وكأنما لا تحسين بقطرة من بحر جحيمي ..
إني حتى لم استطع أن أنفذ وعودي لها ..
ثم هامت نظرته في السرير بين قدميه ..
المسكينة كانت تريد أن ترى مكة ..
كانت تريديني ألا أبكي ..
وها أنا مثل النساء أنتحب كل مرة أتذكرها ..
صمتت همسة أمام صراخ بشار ..
الذي هدأ بعد لحظات وقال :
ولكن كلامك صحيح ..
ولكني لم أكن في حالة من الوعي ..
كنت أعمى البصيرة ..
صمت للحظات ..
غطى نفسه بالفراش ..
وقال لها : أريد أن أنام ..
أرجوك أغلقي الباب .. واذهبي ..
هذه المرة .. لم تحس همسة بأي شيء ..
أحست أنها تريد أن تتركه ..
أحست أنه لا قبل لها بمواجهة مثل هذه الأحاسيس كلها ..
لابد أنه يحتاج للراحة ..
لقد استنفذ كل قدرته على إخفاء الألم ..
وأطفأت الأنوار ..
ثم خرجت من الغرفة بهدوء ..
كانت همسة في السيارة ..
حين جلست صامتة لبضع ثواني ..
ثم بدأت عيناها تذرف الدموع ..
ثم صارت تبكي بصوت خافت ..
وصلت إلى المنزل ..
لم تكن في حالة تسمح لها بأن تقابل أحداً ..
حمدت الله أن أحداً لم يكن موجوداً في الصالة ..
صعدت إلى غرفتها بتثاقل شديد ..
دخلتها ..
كانت مضاءة ..
ولكن ..كأنما الأنوار لا تريد أن تبدد الكآبة التي غلفت محياها ..
جلست فوق سريرها ..
ثم صارت تبكي وهي تقول :
لماذا أحببت يا ربي ؟
وصارت تضع رأسها بين يديها ..
وشعرها يتناثر بلا نظام ..
كانت لأول مرة تعترف أنها تحبه ..
نعم إنها تحبه ..
حتى عندما قال لها بأنه تزوج مايا ..
غارت بقوة ..
بل إنها لا تزال حانقة ..
وهي تقول في نفسها :
ما كان له أن يتزوج ..
كانت تريد أن تسب مايا وتشتمها ..
ولكنها توقفت في اللحظة الأخيرة ..
نظرت في الدب الصغير ..
تأملته قليلاً ..
ثم أقفلت الأنوار ..
وأخذته في حضنها ..
وأضمرت في نفسها شيئاً ..
أغمضت عينيها ..
ثم نامت ..
ترى ماذا قررت همسة ؟
هل ستتوقف القصة هنا وتنتهي ؟
وأين باقي أفراد القصة منها ؟
أم أن القصة هنا بدأت ؟
فراس .. هل سيضيع مع الريح ؟
ولماذا أتى بشار هنا ؟
الكثير من الأحداث بانتظاركم في قصتي ..
حب في المستشفى الجامعي
....................................
أتمنى يكون هالجزء اعجبكم ..
لاتصيحون بليييز .. أدري يحزن بس لاتصيحون ..
أستناكم تنثرون لي مشاعركم وحزنكم ..